فمن هي ومن انا؟
قصه قصيره على شكل خاطره
ღ .¸¸. بــطــاقــة دعـــوة .¸¸. ღ
ارتعشت يدها برقة مخيفة حين أمسكت تلك البطاقة اللامعة الممتدة لها ...
ودق قلبها دقات متتالية ... متزايدة ... يُكادُ يُسمَعُ صوتها ...
مخترقاً حاجز الصمت ... القاتل ...
" مبروك " ...
قالتها لتكسر ذلك الحاجز .. لتُذيب البرود المتبادل .. لكنها فشلت... ولم يذب الثلج ..
فقد قالتها ببطء وحذر شديدين ...
بصوت مرتعش ... منخفض .. رغم محاولتها لترفعه ..
علّه لا يسمع نبض قلبها المتلاحق ...
ومرة أخرى فشلت ...
فشلا لاذعا ..
فقد رأى حزن عينها المختبئ وراء تلك الابتسامة الكاذبة...
نعم .. رأى الحزن .. رأى الدمعة التي لم تنزل ... رأى القلب المكسور ..
رأى ...
ورأى ...
ورأى ......
لطالما رأى لهفتها .. رأى عطفها ... رأى حبها ..
ولكن !!!
أحقا رآها .....
" مــبـروك "....
قالتها بجمود .. دون أن تفتح البطاقة ..
لم تنظر لها ... لم تلمحها ...
نظرت له .. ولم تراه ... وكأنه شفاف غير مرئي ...
نظرت له ... ورأت مشاعرها وحبها يموتان أمامها ...
نظرت له ... ولم تراه ...
وانسحبت من امامه برقتها المعهودة...
انسحبت .. رحلت الى مجهولها ..
" احرصي على الحضور .. أنتي أول المدعوين... ويجب أن تكوني أول الحاضرين "
- وأنا أول الفاشلين - قالت في سرها ....
" أكيــــــد" قالت شفتاها المرتجفتين ...
" رحلــت " ...
صامتة .. منذهلة ... فقد كانت الصفعة على خدها قوية ...
صفعة قاتلة ... غادرة ... لم تتوقعها أبدا ..
صفعة ... أطاحت بها من أعالي السحاب .. وبلحظة أغرقتها في بحـــور من الآلام والمعاناة ...
صفعة ... هدمت تلك القصور الذهبية .. التي سكنتها بخيالها ...
سكنتها وحيدة .. تنتظره ..
قصور عالية .. أساسها ضعيف ...
أساسها ضحكة .. كلمة ... أساسها اهتمام
ولأول مرة ... أدركت أن أساسها ... هو وهـــــم
ولكنه وهم لذيذ ... وهي احبت هذا الوهم ...
وعاشته لحظة بلحظة ...
وأملت .. وحلمت .. بأن يأتي اليوم ويصبح الوهم .... حقيــــقة ...
وجاء يوم ... وجاءت دعوة .. وجاءت صفعة ..
تلك الصفعة .. التي أيقظتها من أحلامها الوردية ...
لطالما حلمت ببطاقة الدعوة ... التي تحمل اسمه .. بجانب اسمها..
لا اسم فتاة أخرى ... ظهرت من العدم ...
العدم بالنسبة لها ..
وليس له ...
" حلِــمـــتْ " ... ...
ياااه كم حلمت بحبه .. برقته ... بعطفه ..
حلمت .. بابتسامته .. يبتسم لها .. ولها فقط
حلمت ... به
لطالما جلسا ليعملا معا ..
ولطالما حلمت بالجلوس معه ... وحيدين .. في قارب مبحر ... منعزل ... بعيـــد
عن دنيا العمل التي تجمعهما ...
حلمت بالجلوس معه في اجتماع .. حميم .. لطيف ..
بعيد عن تلك الاجتماعات الروتينية ... المملة ..
حلمت .. بعشاء رومانسي ... مليء بالشموع ..
التي تنير دربهمها معا .. وحيدين معا ...
بعيدين جدا عن كافتيريا الشركة .. التي لطالما جمعتهما .. والآخرين ..
الآخرين ...
عيناها لا ترى آخرين حين تراه ...
أذناها لا تسمع آخرين حين يحادثها ...
كل كلمة منه .. تفسرها بمفهومها الخاص ..
كل بادرة .. كل ضحكة .. وكل نظرة ..
ولكنها أرادت أكثر .. حلمت بالأكثر ..
وانتظرت أكثر ...
لطالما حلمت .. وانتظرت ... وحلمت ...
وانتظرت ... وانتظرت ..
والآن ؟؟ هي أول المدعوين ؟؟؟
..هاهي تمسك بيدها بطاقة الدعوة ... دعوته هو ..
زفافه هو .. من فتاة أخرى .. لا تعرف من هي ...
ولا تهتم بأن تعرف ..
" مــن هــي " ؟! ..
هي فتاة أحلامه هو ...
التي لطالما حلم بضحكة شفتاها ...
وتمتع بنعومة يداها ...
كان يستعجل الانتهاء من اجتماعاته واعماله ...
ليسرع للقاها ....
وفي الكافتيريا ... يتخيل الكيك اللذيذ الذي تصنعه ..
لأجله فقط ...
... هو يحلم ...
وهي أيضا حلمت ...
ولا تلتقي أحلامهمها.....
فأحلامه تحققت ... وهاهو يوزع البطاقات على أصدقائه وزملائه في الكافتيريا ...
وهي التي لطالما ساعدته ... ومعا .. حققا النجاح تلو النجاح ...
وهي كانت أول أحلامه .. وأقصرها ...
ووفاءا لها ...
هي أول المدعوين ...
" مرت الذكريات " ...
مرت الذكريات أمام عينيها وهي راحلة... وتذكرت .. كيف كان في الفترة الأخيرة مشغول البال ... كثير الشرود ...
وكيف كان يسرع في إنهاء العمل .. يسرع في الرحيل ...
لم يعد يسأل عن أحوالها .. بل عن أحوال العمل ...
لا يضحك .. لا يعلق .. لا يتحدث .. إلا عن العمل ..
تذكرت جيدا ..
ولأول مرة .. أدركت ..
ورأت الحقيقة الغائبة عن عينيها ...
لأول مرة ترى الحقيقة وليس الوهم ...
أدركت أن اهتمامه بها .. لم يكن حقا بها ..
بل بعملها المنجز ..
اتصالاته .. محادثاته .. أوراقه .. كل شيء .. للعمل فقط ؟؟
" كيف إذا أفسر ضحكاته .. ورقته اللامتناهية ..
لماذا يشكو لي همومه .. ويطلب مساعدتي في أموره ...
وماذا عن اهتمامه بي .. بشخصي .. برأيي ..
ماذا عن تلك الأيام السوداء حيت توفت أمي ... لم يتركني لحظة ..
لم يهملني .. لم ينساني ...
وحرص على توفير كل حاجياتي ... حتى دون ان اخبره بها ...
اعتنى بي خير عناية ... كي لا أصبح وحيدة .. كما كان هو .. وحيد
حرص على اسعادي .. عمل على مسح دموعي .. وهو من أنساني أحزاني ...
وهو الوحيد الذي استطاع أن يجعلني ابتسم ...
وكان يحادثني يوميا .. يكلمني بجميع المواضيع .. إلا العمل ...
والآن .. لم يبق بيننا إلا العمل !!!!
ماذا حدث ..؟؟؟
"هل أنا من بالغت بتفسير تصرفاته ..؟؟؟ أم هو من بالغ باهتمامه ؟؟!!.. "
ظلت تحادث نفسها .. محاولة إيجاد تفسير ...
وهي تمشي.. محاولة إيجاد الطريق لمكتبها .. بعيدا عن هذه الكافتيريا .. التي دوما ما جمعتهما .. والآن .. إلى الأبد تفرقهما ..
ولاشيء يبقى ..
إلا العمل ..
" انْتَـــظــرتُـكَــ "...
ومن بعيد ... وقف هو ينظر لها متأملا .. وقد توقف عن توزيع البطاقات...
فقد لمحها من بعيد تمشي على غير هدى ... وبدت كأنها تكلم نفسها !!!
وأمعن النظر جيدا .. ولمح تلك الدمعه ,, تنزل باستحياء على خدها المتوهج ...
لقد رأى حزنها .. واضحا جليا .. فقد سقط قناعها المبتسم المزيف ..
ولم تبق على وجهها إلا الدموع ...
رآها راحلة .. والدموع ورائها ...
رآها ... وتذكر..
تذكر .. ابتسامتها .. عطفها ... وتذكر رقتها معه ... ومع الجميع
تذكر اهتمامها اللامتناهي .. به ... وبالجميع ..
حرصها على عملها .. وعمله .. وعمل الجميع ...
عملها على إرضائه .. وارضاء الجميع ..
تذكر .. محاولاته الفاشلة معها .. بأن يريها اهتمامه ... وعطفه .. وحبه
ولكن لا استجابة ...
فقلبها لا يدق ..
" لطالما تجاهلتني .. وتجاهلت اهتمامي .. كانت كلوح الثلج لا تهتم ...
بلى .. اهتمت بي .. واهتمت أيضا بالجميع ...
لماذا إذا هذا الحزن المرتسم على وجهها ؟؟ لماذا الدموع ؟؟؟!!!! ...."
وبدون تفكير ... قفز من مكانه مسرعا .. محاولا اللحاق بها ... لعله يجد إجابات ...
وأمسك بذراعها ... وأدارها صوبه ..
وحاولت أن تشيح بوجهها عنه .. لكي لا يرى دموعها ... ولكنها لم تفلح..
حاولت أن تمسحها .. ولم تقدر ...
-" لماذا البكاء ؟؟ "
-" لماذا السؤال .؟؟ وماسر الاهتمام المفاجئ ؟؟"
-" مفاجئ ؟!! اهتمامي ليس مفاجئ ... حزنك هو المفاجئ !!!....... حاولت أن أصل لك .. وماوصلني منك إلا البرود .."
-" لم تحاول جهدك ... ربما بدأت بخطوة .. لكنك وقفت مكانك "
-" أوقفني تجاهلك ..."
-" لم أتجاهل .. بل احترت .. ووقفت أنا أيضا مكاني .. وانتظرت المزيد .. انتظرت كلمة حقيقية .. تعبت من الألغاز ... وانتظرت .."
-" أنا من انتظر ..
لقد اهتممت بي وبالجميع قبلي ...
وانتظرتك ... ومللت الانتظار ...
وهي ... أحبتني ..."
-" كنت منتظرة .. ولم أمل الانتظار أبدا ... "
" وافتـــرقــا "...
كانت تنتظر ...
وكان ينتظر ...
وكانا ضحية الانتظار ...
ليسا ضحية للأوهام ...
فالأوهام لم تعد أوهام ...
هي حقائق ... تاهت في عالم الانتظار ...
وانتهى الانتظار ...
وركب كل منهما قطارا مختلفا ...
فلكل منهما طريقا بالحياة ... بعيدا جدا عن طريق الآخر
فهو يوزع بطاقات دعوته ...
وهي أول المدعوين
وانا اول المدعوين
فمن هي ومن انا؟